قال تعالى :قلِ اللَّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَديرٌ آل عمران(26)
إن الله تعالى مالك الملك يؤتي ملكه من يشاء ما في ذلك ريب، ولكنه جلت حكمته لا يظلم أحد ولا يفعل العبث كيف وهو القائل وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍالرعد (8) و هذا يعني إن كل شيء بسبب ونظام وليس صدفة ولا فوضى .
والسؤال المطروح بقوة: هل إن سلاطين الجور يحكمون بمشيئة الله وإذا كان كذلك فهل يعني وجوب الرضوخ لحكمهم ؟
الجواب: كلا ،لأن الله تعالى حرم الظلم والفساد وتوعد بالعقوبة عليه ولكنه جات حكمته لا يتدخل بإرادته التكوينية في الأمور الاجتماعية والتنظيمية ولا يردع الظالم بقوة قاهرة بصرة مباشرة دائما، وإنما ينهاه بإرادة التشريع والإرشاد ويحذره من الظلم ويتوعده عليه فإذا خالف عاقبه يوم الجزاء الأكبر بموجب قوله تعالى وَ لا تَحْسَبَنَّ اللَّهَ غافِلاً عَمَّا يَعْمَلُ الظَّالِمُونَ إِنَّما يُؤَخِّرُهُمْ لِيَوْمٍ تَشْخَصُ فيهِ الْأَبْصارُ إبراهيم42 ولو شاء أن يمنعه في الدنيا لفعل ولكنه يجري الأمور بأسبابها وسننها وهذا هو السبب في نسبة التمليك إليه جل وعلا بشكل عام، فلو أراد أن يمنع الملك عمن لا يستحقه لفعل ولن يصل الملك للظالم رغم وجود أسباب وصوله، وبذلك فإن الحاكم الصالح والطالح كلاهما يخضع لمشيئة الله تعالى، لأنه هو الذي أوجد أسباب وصولهم إلى الحكم، وهذه الأسباب عينها هي المشيئة الإلهية إذ أن الحكام الظلمة يستثمرون هذه الأسباب للوصول إلى أهدافهم وإخضاع الشعوب الضعيفة الايمان والجبانة والجاهلة لحكمهم الشائن، وهذا يعود إلى سوء أعمال تلك الشعوب وبعدها عن الله تعالى ، وهذا يعبر عنه بالقول(كيفما تكونوا يولى عليكم) ولكن إذا كان المجتمع واعياً ويعمل بما يريده الله وينتزع أسباب تسلط الظلمة من أيديهم ويستثمر وجود القادة الصالحين بين صفوفه ويوليهم لكي يقيموا حكومة العدل فإن ذلك أيضا نتيجة لأعماهم الصالحة وسعيهم في مرضاة الله تعالى وحسن استفادتهم من الأسباب الإلهية الكامنة في داخلهم فالآية المباركة تدعوا الفرد والمجتمع إلى اليقظة الدائمة والوعي للسير على الطريق الصحيح والاستفادة من عوامل النجاح والنصر الكامنة فيه ودعم القادة المصلحين وفسح المجال لهم لكي يشغلوا المواقع المهمة التي من خلالها يصلحون المجتمع في كل المجالات قبل أن ينتهز الفاسدون الفرصة ويصلوا الى تلك المواقع ويفسدون البلاد والعباد وخلاصة القول إن مشيئة الله هي عالم الأسباب والمسببات وإنما الاختلاف في كيفية الاستفادة منها سلباً أو إيجاباً .