تفسير القمي: فَحَدَّثَنِي أَبِي عَنِ الْحَسَنِ بْنِ مَحْبُوبٍ عَنْ عَمْرِو بْنِ [أَبِي] مِقْدَامٍ عَنْ ثَابِتٍ الْحَذَّاءِ عَنْ جَابِرِ بْنِ يَزِيدَ الْجُعْفِيِّ عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ آبَائِهِ عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ قَالَ إِنَّ اللَّـهَ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى أَرَادَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقاً بِيَدِهِ وَ ذَلِكَ بَعْدَ مَا مَضَى مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ فِي الْأَرْضِ سَبْعَةَ آلَافِ سَنَةٍ وَ كَانَ مِنْ شَأْنِهِ خَلْقُ آدَمَ كَشَطَ عَنْ أَطْبَاقِ السَّمَاوَاتِ.
قَالَ لِلْمَلَائِكَةِ انْظُرُوا إِلَى أَهْلِ الْأَرْضِ مِنْ خَلْقِي مِنَ الْجِنِّ وَ النَّسْنَاسِ فَلَمَّا رَأَوْا مَا يَعْمَلُونَ فِيهَا مِنَ الْمَعَاصِي وَ سَفْكِ الدِّمَاءِ وَ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ وَ غَضِبُوا وَ تَأَسَّفُوا عَلَى أَهْلِ الْأَرْضِ وَ لَمْ يَمْلِكُوا غَضَبَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْقَادِرُ الْجَبَّارُ الْقَاهِرُ الْعَظِيمُ الشَّأْنِ وَ هَذَا خَلْقُكَ الضَّعِيفُ الذَّلِيلُ يَتَقَلَّبُونَ فِي قَبْضَتِكَ وَ يَعِيشُونَ بِرِزْقِكَ وَ يَتَمَتَّعُونَ بِعَافِيَتِكَ وَ هُمْ يَعْصُونَكَ بِمِثْلِ هَذِهِ الذُّنُوبِ الْعِظَامِ لَا تَأْسَفُ عَلَيْهِمْ وَ لَا تَغْضَبُ وَ لَا تَنْتَقِمُ لِنَفْسِكَ لِمَا تَسْمَعُ مِنْهُمْ وَ تَرَى وَ قَدْ عَظُمَ ذَلِكَ عَلَيْنَا وَ أَكْبَرْنَاهُ فِيكَ.
قَالَ فَلَمَّا سَمِعَ ذَلِكَ مِنَ الْمَلَائِكَةِقَالَ إِنِّي جاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً يَكُونُ حُجَّةً لِي فِي الْأَرْضِ عَلَى خَلْقِي فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُسُبْحَانَكَ أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيهاكَمَا أَفْسَدَ بَنُو الْجَانِّ وَ يَسْفِكُونَ الدِّمَاءَ كَمَا سَفَكَ بَنُو الْجَانِّ وَ يَتَحَاسَدُونَ وَ يَتَبَاغَضُونَ فَاجْعَلْ ذَلِكَ الْخَلِيفَةَ مِنَّا فَإِنَّا لَا نَتَحَاسَدُ وَ لَا نَتَبَاغَضُ وَ لَا نَسْفِكُ الدِّمَاءَ وَ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ قَالَ جَلَّ وَ عَزَّ إِنِّي أَعْلَمُ ما لا تَعْلَمُونَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أَخْلُقَ خَلْقاً بِيَدِي وَ أَجْعَلَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ أَنْبِيَاءَ وَ مُرْسَلِينَ وَ عِبَاداً صَالِحِينَ أَئِمَّةً مُهْتَدِينَ وَ أَجْعَلَهُمْ خُلَفَاءَ عَلَى خَلْقِي فِي أَرْضِي يَنْهَوْنَهُمْ عَنْ مَعْصِيَتِي وَ يُنْذِرُونَهُمْ مِنْ عَذَابِي وَ يَهْدُونَهُمْ إِلَى طَاعَتِي وَ يَسْلُكُونَ بِهِمْ طَرِيقَ سَبِيلِي وَ أَجْعَلَهُمْ لِي حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَ أَبِيدَ النَّسْنَاسَ مِنْ أَرْضِي وَ أُطَهِّرَهَا مِنْهُمْ وَ أَنْقُلَ مَرَدَةَ الْجِنِّ الْعُصَاةَ مِنْ بَرِيَّتِي وَ خَلْقِي وَ خِيَرَتِي وَ أُسْكِنَهُمْ فِي الْهَوَاءِ فِي أَقْطَارِ الْأَرْضِ فَلَا يُجَاوِرُونَ نَسْلَ خَلْقِي وَ أَجْعَلَ بَيْنَ الْجِنِّ وَ بَيْنَ خَلْقِي حِجَاباً فَلَا يَرَى نَسْلُ خَلْقِي الْجِنَّ وَ لَا يُجَالِسُونَهُمْ وَ لَا يُخَالِطُونَهُمْ فَمَنْ عَصَانِي مِنْ نَسْلِ خَلْقِي الَّذِينَ اصْطَفَيْتُهُمْ وَ أَسْكَنْتُهُمْ مَسَاكِنَ الْعُصَاةِ أَوْرَدْتُهُمْ مَوَارِدَهُمْ وَ لَا أُبَالِي قَالَ: فَقَالَتِ الْمَلَائِكَةُ: يَا رَبَّنَا افْعَلْ مَا شِئْتَلا عِلْمَ لَنا إِلَّا ما عَلَّمْتَنا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ قَالَ فَبَاعَدَهُمُ اللَّـهُ مِنَ الْعَرْشِ مَسِيرَةَ خَمْسِ مِائَةِ عَامٍ.
قَالَ: فَلَاذُوا بِالْعَرْشِ وَ أَشَارُوا بِالْأَصَابِعِ فَنَظَرَ الرَّبُّ عَزَّ وَ جَلَّ إِلَيْهِمْ وَ نَزَلَتِ الرَّحْمَةُ فَوَضَعَ لَهُمُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ فَقَالَ: طُوفُوا بِهِ وَ دَعُوا الْعَرْشَ فَإِنَّهُ لِي رِضًى فَطَافُوا بِهِ وَ هُوَ الْبَيْتُ الَّذِي يَدْخُلُهُ كُلَّ يَوْمٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ لَا يَعُودُونَ أَبَداً فَوَضَعَ اللَّـهُ الْبَيْتَ الْمَعْمُورَ تَوْبَةً لِأَهْلِ السَّمَاءِ وَ وَضَعَ الْكَعْبَةَ تَوْبَةً لِأَهْلِ الْأَرْضِ فَقَالَ اللَّـهُ تَبَارَكَ وَ تَعَالَى: إِنِّي خالِقٌ بَشَراً مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ*فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَالحجر(28-29) قَالَ: وَ كَانَ ذَلِكَ مِنَ اللَّـهِ تَعَالَى فِي آدَمَ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَ احْتِجَاجاً مِنْهُ عَلَيْهِمْ (قَالَ) فَاغْتَرَفَ رَبُّنَا عَزَّ وَ جَلَّ غُرْفَةً بِيَمِينِهِ مِنَ الْمَاءِ الْعَذْبِ الْفُرَاتِ وَ كِلْتَا يَدَيْهِ يَمِينٌ فَصَلْصَلَهَا فِي كَفِّهِ حَتَّى جَمَدَتْ فَقَالَ: لَهَا مِنْكِ أَخْلُقُ النَّبِيِّينَ وَ الْمُرْسَلِينَ وَ عِبَادِيَ الصَّالِحِينَ وَ الْأَئِمَّةَ الْمُهْتَدِينَ وَ الدُّعَاةَ إِلَى الْجَنَّةِ وَ أَتْبَاعَهُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ لَا أُبَالِي وَ لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ.
ثُمَّ اغْتَرَفَ غُرْفَةً أُخْرَى مِنَ الْمَاءِ الْمَالِحِ الْأُجَاجِ فَصَلْصَلَهَا فِي كَفِّهِ فَجَمَدَتْ ثُمَّ قَالَ: لَهَا مِنْكِ أَخْلُقُ الْجَبَّارِينَ وَ الْفَرَاعِنَةَ وَ الْعُتَاةَ وَ إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَ الدُّعَاةَ إِلَى النَّارِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَ أَشْيَاعَهُمْ وَ لَا أُبَالِي وَ لَا أُسْأَلُ عَمَّا أَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ قَالَ: وَ شَرْطُهُ فِي ذَلِكَ الْبَدَاءُ وَ لَمْ يَشْتَرِطْ فِي أَصْحَابِ الْيَمِينِ ثُمَّ أَخْلَطَ الْمَاءَيْنِ جَمِيعاً فِي كَفِّهِ فَصَلْصَلَهُمَا ثُمَّ كَفَّهُمَا قُدَّامَ عَرْشِهِ وَ هُمَا سُلَالَةٌ مِنْ طِينٍ ثُمَّ أَمَّرَ اللَّـه الْمَلَائِكَةَ الْأَرْبَعَةَ الشَّمَالَ وَ الْجَنُوبَ وَ الصَّبَا وَ الدَّبُورَ أَنْ يَجُولُوا عَلَى هَذِهِ السُّلَالَةِ مِنَ الطِّينِ فَأَمْرَءُوهَا وَ أَنْشَئُوهَا ثُمَّ أنزوها [أَبْرَوْهَا] وَ جَزُّوهَا وَ فَصَلُوهَا وَ أَجْرَوْا فِيهَا الطَّبَائِعَ الْأَرْبَعَةَ الرِّيحَ وَ الدَّمَ وَ الْمِرَّةَ وَ الْبَلْغَمَ فَجَالَتِ الْمَلَائِكَةُ عَلَيْهَا وَ هِيَ الشَّمَالُ وَ الْجَنُوبُ وَ الصَّبَا وَ الدَّبُورُ وَ أَجْرَوْا فِيهَا الطَّبَائِعَ الْأَرْبَعَةَ، الرِّيحُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنَ الْبَدَنِ مِنْ نَاحِيَةِ الشَّمَالِ وَ الْبَلْغَمُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الصَّبَا وَ الْمِرَّةُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الدَّبُورِ وَ الدَّمُ فِي الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعَةِ مِنْ نَاحِيَةِ الْجَنُوبِ.
قَالَ: فَاسْتَقَلَّتِ النَّسَمَةُ وَ كَمَلَ الْبَدَنُ فَلَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الرِّيحِ حُبُّ النِّسَاءِ وَ طُولُ الْأَمَلِ وَ الْحِرْصُ، وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْبَلْغَمِ حُبُّ الطَّعَامِ وَ الشَّرَابِ وَ الْبِرُّ وَ الْحِلْمُ وَ الرِّفْقُ، وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الْمِرَّةِ الْحُبُّ وَ الْغَضَبُ وَ السَّفَهُ وَ الشَّيْطَنَةُ وَ التَّجَبُّرُ وَ التَّمَرُّدُ وَ الْعَجَلَةُ، وَ لَزِمَهُ مِنْ نَاحِيَةِ الدَّمِ حُبُّ الْفَسَادِ وَ اللَّذَّاتِ وَ رُكُوبُ الْمَحَارِمِ وَ الشَّهَوَاتِ، قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَجَدْنَاهُ هَذَا فِي كِتَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ فَخَلَقَ اللَّـهُ آدَمَ فَبَقِيَ أَرْبَعِينَ سَنَةً مُصَوَّراً فَكَانَ يَمُرُّ بِهِ إِبْلِيسُ اللَّعِينُ فَيَقُولُ: لِأَمْرِ مَا خُلِقْتَ فَقَالَ الْعَالِمُ : فَقَالَ: إِبْلِيسُ لَئِنْ أَمَرَنِي اللَّـهُ بِالسُّجُودِ لِهَذَا لَأَعْصِيَنَّهُ، قَالَ: ثُمَّ نَفَخَ فِيهِ فَلَمَّا بَلَغَتِ الرُّوحُ إِلَى دِمَاغِهِ عَطَسَ عَطْسَةً جَلَسَ مِنْهَا فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّـهِ فَقَالَ اللَّـهُ تَعَالَى يَرْحَمُكَ اللَّـهُ قَالَ الصَّادِقُ فَسَبَقَتْ لَهُ مِنَ اللَّـهِ الرَّحْمَة .
إعداد شعبة البحوث والدراسات